إيلون ماسك وعقدة تويتر

يشبه شراء إيلون ماسك لموقع تويتر بامتلاك رجل أعمال لوسيلة إعلام يطوعها كيفما كان لخدمة مصالح وأهدافه، لا ولدعم الأفكار والمبادئ التي يؤمن بها كما هو الحال بامتلاك الأحزاب السياسية لوسائل الإعلام.

أغلبنا كمستخدمين لتويتر ممن عاصر تطور هذه المنصة شهدنا عليها أحداث كبيرة. إذ أذكر جيداً انضمامي للموقع سنة 2009 حينما كان التدوين سمة العصر والتريند الرائج آنذاك، وكان مجتمع تويتر وقتها جزء لا يتجزء من فكرة مجتمع المدونين والمدونات، تتابع من خلاله أفكار المدونين القصيرة التي يفضلون نشرها على تويتر بدلاً من المدونة التي عادة ً ما كانت تخصص للمقالات والتدوينات الطويلة. كان الموقع وقتها واجهة بسيطة جذابة، حتى أن جيل اليوم قد يتفاجأ ان تويتر وقتها لم يكن يمكننا كمستخدمين من نشر الصور والفيديوهات، وإنما النصوص والهاشتاغ وحسب!.

طبيعة الويب إذاً أن يتطور وتتطور الشركة والمزايا التي تقدمها أمام هذه الحروب الطاحنة بين شركات الشبكات الاجتماعية. لكن دخول إيلون ماسك ربما كان محسوب فقط بهيمنته على تويتر بترويجه للأفكار التي يريدها والتي يحبها، اليوم يمتلك شركة تيسلا… يطوع تويتر لخدمة رفعه أسهمها، غداً يحب أن يطلق شركة جديدة… تويتر موجود للترويج لها ولأعمالها، بعد غد يقرر أن شركة SpaceX التي يمتلكها جاهزة لتقديم رحلات سياحية للفضاء… تويتر جاهز للترويج!، وهذا فعلياً ما حصل حينما قرر ماسك دعم عملة عملة شيبا الرقمية بتغيير شعار تويتر من العصفور الأزرق إلى صورة كلب الشيبا، كيف لا وهو سمسار كبير في هذا السوق، إذ أنه فعلها سابقاً بإعلانه عن إمكانية شراء سيارات تيسلا عن طريق بيتكوين ثم تراجع عن ذلك بحجة مخاوفه من تغير المناخ. شيء يشعرك وكأنما الرجل يدير موقع شخصي لا شبكة اجتماعية عليها الملايين من المستخدمين.

هذه الهيمنة تسير وفق ما يريد؟

أثبت إيلون حقيقة أنه رجل أعمال ناجح بالرغم من كل الجدل والتصرفات الغريبة التي يثيرها حول نفسه تجد المتابعين يشبهونه بترامب لا سيما مع تغريداته الحمقاء الأمر الذي يثير العجب… كيف لشخص يمتلك كل هذه الثروة ويحقق كل هذا النجاح أن يظهر بهذا المظهر؟.

كثيرون ينظرون لخطة ماسك تجاه تويتر هي تحويله لتطبيق واحد لكل شيء، وعادة ما يشبه التقنيون هذه الفكرة بنموذج تطبيق – We chat الصيني – الذي يمكن المستخدم من خيارات ومهام عديدة منها التواصل الاجتماعي والرسائل وإرسال الأموال والمدفوعات وصولاً حتى لمعرفة حالة الطقس… لكن هنا نطرح سؤال… إن كان We chat ناجحاً بذلك.. هل بالضرورة الاستحواذ على شبكة اجتماعية اليوم وتحويلها لنموذج مشابه لـ We chat سينجح بالفعل؟

الحقيقة لا! والأمثلة أمامنا كثيرة.

فلنأخذ مثال فيسبوك الذي تحول من شبكة اجتماعية لمشاركة الأفكار والخواطر والتواصل مع الأصدقاء إلى شبكة اجتماعية هلامية لا تعرفها هل هي (تيك توك) أو (يوتيوب) أو (سناب شات) أو مزيج بين شبكات اجتماعية عديدة (راجع هذه التدوينة)، والأمر نفسه نجده مع فكرة موقع ياهو سابقاً (دعوني أعترف أن الفكرة كانت تروق لي) والذي كان يقدم في واجهة واحدة أو بوابة واحدة خدمات متنوعة وكثيرة ومن بينها البريد الإلكتروني والأخبار وحالة الطقس والأسهم، لكنه اليوم يكاد يكون موقع يعيش على أجهزة الإنعاش فهل هذا النموذج ناجح بالفعل وإن كان نعم لما يميل المستخدمون للاتجاه لتطبيقات وشبكات اجتماعية مختلفة؟. ببساطة التخصص هو سر نجاح الشبكة الاجتماعية اليوم، أنظروا إلى نموذج يوتيوب يعد من أنجح النماذج خصوصاً في الحفاظ على المستخدمين، يوتيوب يقدم نفسه على أنه شبكة اجتماعية للفيديو، مع أنه أتاح إمكانية نشر منشورات النصوص للقنوات لكن يبقى ناجحاً في تقديم نفسه على أنه منصة للفيديو، وسناب شات نفس الأمر وتيك توك… أما تويتر إن اتجه ليكون التطبيق الشامل لكل شيء (بما في ذلك نموذج الفيديوهات الدوارة كحالة تيك توك) فأعتقد أنه سيفشل في ذلك.

إقرأ أيضاً:  الإشعارات.. وأسرى الشاشات الصغيرة هل نحن بحاجة لكل هذا الإزعاج؟

ما الذي فعله حتى الآن؟

يبحث ماسك عن استغلال أبسط المزايا حتى تعود إليه بالـ 44 مليار التي دفعها للاستحواذ على تويتر، إذ أن الإعلانات غير كافية والشركة كانت تعيش على الخسارة اليومية على حد ما يروج له البعض، أتى بعد ذلك إيلون بفكرة بيع التوثيق وهي الميزة التي يبحث عنها كثر لتمييز حساباتهم، ليقدم نموذج الاشتراك الشهري أو السنوي ضمن ما يعرف بـ twitter blue لقاء مزايا لا أجدها تستحق الاشتراك، ثم بعد ذلك قرر ماسك تدعيم فكرة الاشتراك الشهري بفرض قيود على المشتركين بالمجان بالموقع ومنها مشاهدة 600 تغريدة كحد أعلى في اليوم مرجعاً ذلك إلى أن تطبيقات ومواقع الذكاء الصناعي تستهلك محتوى الموقع ويريد أن يضع حداً لها، بعدها يفرض ماسك قيوداً جديدة منها عدد الرسائل التي يمكنك كمستخدم مجاني للمنصة أن ترسلها، وتأمين حسابك عن طريق الكود الذي يصلك من خلال الرسائل القصيرة SMS والتي جعلها أيضاً محصورة بمشتركي twitter blue.

على الهامش أتذكر أن كثير من التغريدات الساخرة ظهرت تدعوا المستخدمين بالتوقف عن اقتراح الأفكار الغبية والحمقاء … فإيلون ماسك يستمع لها ويطبقها!.

ما يفعله ماسك اليوم في تويتر يظهر مدى جشعه لاسترداد ما دفعه من أموال، لكن للأسف الأمر ينفر المستخدمين ويدفعهم للبحث عن خيارات بديلة  وهذا ما ظهر مع تطبيق Threads من Meta والذي يبدو متواضعاً حتى الآن وجاء ليستغل نفور المستخدمين من للعصفور الأزرق. ومع ذلك يتخوف الكثيرون من أن يكرر تطبيق Threads أخطاء فيسبوك خصوصاً في موضوع البيانات لكني أجد أن الأمر لا يستحق كل ذلك. فإن ما قارنا بين الشركتين فـ Meta تتاجر ببيانات المستخدم في سبيل الربح من الإعلانات لكنها تقدم الخدمة بالمجان نوعاً ما، أما ماسك وتويتر فهو يتاجر ببياناتنا ويريد منا أن ندفع له أيضاً وبكل وقاحة.

 

هنا تدوينة قديمة كنت قد كتبتها في مرحلة ما قبل أن يستحوذ ماسك على تويتر: عن فكرة تحويل تويتر لشبكة ذات اشتراكات

شارك هذه التدوينة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *