عندما ركزت شركة أبل على الابتكار في منتجاتها

قبل فترة طويلة كنت أقرأ في تدوينة أحدهم على أحد المواقع، وقتها أذكر أنه كان ينتقد مستخدمي أبل ويستغرب من كيفية أنهم مرتاحون مع أجهزة وشركة تمارس سياسة (الاحتكار) على حد وصفه، وأثناء تنقلي في الفيسبوك شاهدت شخصاً آخر، ينتقد مستخدمي أبل واصفهم بأنهم مولعون بأي جهاز تصنعه الشركة مهما كان عادياً وله بدائل.

للأمانة تلك الظاهرتان موجودتان، ولا أحد من محبي أبل بالطبع يخفيهما، وربما تلعبان دوراً تسويقياً للشركة، فعلى سبيل المثال في كل مرة أنسى فيها الشركة وآخر أخبارها، يعود نفس الحديث ليذكرني بوجودها، إلا أن الظالم في الموضوع هو أخذه بمنحى سلبي على الدوام.

فذات الأمر يحصل مثلاً عند شركات أخرى لديها محبيها والمتعصبين لها، كـ جوجل التي تمتلك وتطور نظام أندرويد، إذ دائماً ما تجد مستخدميه يدافعون عنه وعن أخطائه بذات الطريقة التي يفعلها متعصبوا أبل، ولا تجد من منتقدين لهم.

بعد طرح iPhone 8 وشقيقه الأكبر وجدت كمية من السخرية على الأجهزة الجديدة لاسيما ميزة فتح الجهاز بواسطة التعرف على الوجه، إلى جانب استمرارية وجود الكاميرا المزدوجة، إذ يشير أحدهم إلى أن مزايا مثل تلك التي سبق ذكرها هي موجودة وقبل سنوات في بقية الأجهزة فلِما الإنبهار في كل مرة تطرح فيها أبل جهازاً يحمل مزايا سبقتها بالطرح شركات أخرى؟.

مرة أخرى.. لا أحد ينكر أن تلك المزايا موجودة من قبل، لكن هنا يجب طرح السؤال.. هل قارنا بين مزايا جهاز مثل Htc الذي طرح من قبل ويحمل عدستين.. بقدرات iPhone 7 Plus الذي حمل ذات الميزة؟.. بالطبع لا!.

جهاز مثل Htc جاء بعدستين قبل عدة سنوات (في 2013 أذكر) لكن لم يأتي بالإبتكار، حتى أن قريباً لي وقتها كان يتفاخر بأن قدرة الجهاز هي التقاط صورة واضحة وكبيرة الحجم من الممكن طباعتها وتعليقها على مبنى كامل!.. هنا فكرت في كلامه، هل هذه الميزة هي ما علي أن أنتظرها وقتها؟

عندما أتى iPhone 7 Plus مثلاً بالعدستين ركزت أبل من خلاله على أمر مبتكر ألا وهو عمق الميدان وهي ميزة لا أذكر أن أحد الشركات سبق أن طرحتها، بل وانبهر الجمهور كله بها، إذ إعتدنا أن هكذا خاصية لا تتحقق سوى بكاميرات الـ DSLR وهي بحاجة لعدسات ذات فتحة كبيرة حتى تقوم بميزة العزل، إنما جاءت أبل وراهنت عليها لتطرحها في جهازها ونجحت، في حين لم تأتي الأجهزة الأخرى بهذه الميزة إلا بعد طرحها في آيفون (كما فعلت One Plus في جهازها بنسخته الخامسة).

ذات الأمر أيضاً يتشكل في ميزة فتح القفل بواسطة التعرف على الوجه، إذ سبق وأن ظهرت هذه الفكرة في أندرويد بنسخة آيس كريم، ووقتها طورته غوغل ليتعرف على وجه صاحب الجهاز ثم أضافت له تطوير آخر منعاً لفتح الجهاز بواسطة صورة لصاحبه بأن أضافت شرط حركة العين حينما يود المستخدم فتح جهازه لكي تتعرف الكاميرا عليه وتميزه إن كان صورة أو بالفعل وجه حقيقي.

هنا أبل بثوريتها لم تعتمد على الفكرة كما هي بل وضعت قيمة مضافة بأن أضافت مستشعر لعمق تفاصيل الوجه ليقرأه بالأبعاد الثلاثة مما يجعله يميز بين الصورة الشخصية وبين الوجه البشري، إلى جانب أنها ارتكزت على الذكاء الصناعي كما يقال أو لنسميها بشكل أسهل (تعلم الآلة منك مع مرور الزمن)، بحيث يميز الهاتف وجه صاحبه بكل تغيراته (مع أو بدون نظارة ولحية)، مهما اختلفت تسريحة الشعر وباقي التفاصيل، في النهاية هناك خريطة وعمق لصاحب الهاتف هو بمثابة رقم سري ليلغى القفل.

حسناً هل نكتفي بذلك؟.. بالطبع لا، فبالرغم من أن الإصدارين في iPhone 8 لم يأتيا بكثير من الأمور الجديدة، إلا أن التطويرات التي حملاها كانت كافية لكي نعترف بابتكارية أبل، فمثلاً ميزة عمق الميدان التي ذكرتها سابقاً قامت أبل بتطويرها بأن أدرجت فلاتر رقمية ذكية مخصصة لتصوير الوجوه، فبعد عزل الوجه عن محيطه الخلفي، تأتي هذه الفلاتر لتتحكم بالإضاءة المسلطة على الوجه بحيث يجعلها شبيهة بإضاءة الاستديو، ولكن أين؟.. في كل البيئات المحيطة، أي أن المستخدم قادر على التقاط صور للأشخاص أينما أراد لتظهر في النهاية كما لو أنها ملتقطة في إستديو تصوير احترافي.

أيضاً، ميزة الشاحن اللاسلكي وهذه الفكرة عندما خطرت ببالي وجدت الحديث ذاته في مراجعة موقع The Verge لأجهزة أيفون 8 يتم الحديث عنها، إذ أنها ميزة طرحت من قبل في مختلف الهواتف وأشهر من وضعها هي سامسونغ، لكن القيمة المضافة التي أتت بها أبل أن قامت بالشراكة مع عدد كبير من الشركات لتضمين شاحنها اللاسلكي في منتجاتها أو خدماتها، مثل أثاث إيكيا، سيارات تويوتا، ميرسيدس، BMW، ميني كوبر، ليكزس، فورد، هيوندي، مطاعم ماكدونالدز، فنادق ibis، وربما تأتي المزيد من الأسماء لتدرج الشاحن في منتجاتها مع المستقبل.

قد يصح وصف أبل بالإحتكارية (كما يقولون)، وقد تصح تسمية أبل كشركة تجبر المستخدمين على أمور أحياناً ليست بالمقبولة (كإزالة الـ Usb المعروف لدى الكل واستبداله بـ USB Type C) مما جعل المستخدمين يعتمدون على محولات مابين الإثنين (أدابتر)، لكن من ناحية أخرى لو فكرنا بها، سنجد أن أبل تستشرف المستقبل، كما حدث الأمر مثلاً مع إزالة سواقات الـ CD من أجهزتها قبل عدة أعوام، ليلحق بها ركب الشركات، بالله قولوا لي.. هل مازال أحد يستخدم الـ CD؟.

إلى جميع ما سلف، يركز نهج أبل على أدق الأمور التي (من الممكن جداً ألا تلاحظها) لغاية في نفس الشركة ربما، وهذا سبب بسيط من أسباب نجاحها، سأعطيك مثال هنا، وهو فيديوهات الكشف عن منتجاتها، في كل مرة يصعد بها تيم كوك على المسرح ليكشف عن منتج سيظهر فيديو غامض يظهر حافة الجهاز بشكل دقيق، حافة الزر، حافة السماعات، وهكذا إلى أن تكتمل الصورة، يريد منهج الشركة هنا (ربما) إظهار أدق تفصيل في الأجهزة ليبرز جماليته ودقة تصميمه وجودة صنعه الفائقة، في المقابل على المستوى البرمجي إن ذهب إلى مركز التحكم وقمت بتشغيل الفلاش ستلاحظ شيء بسيط إن دققت في أيقونة الكشاف أو المصباح ستجد عند تشغيل الفلاش قد تغير شيء بسيط في الآيكون ليدل على أن الضوء يعمل بالرغم من تغير لون الأيكون كاملاً، وهذا بحد ذاته تفصيل جميل.

شارك هذه التدوينة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *