تيك توك

يقول أحدهم: “لو كنت أستاذاً جامعياً سأطلب من طلبتي أن يعتمدوا على تيك توك كمصدر للمعلومات في وظائفهم وحلقات البحث التي أطلبها منهم”.

ربما يحسب لتيك توك ذاك المنافس القادم من الصين الذي كسر سطوة وهيمنة شركات السوشيل ميديا الأمريكية أنه فجر صنعة ليست جديدة من نوعها وإنما ساهم بدفعها إلى حد كبير ألا وهي صناعة المحتوى.

نعم صحيح، قبل تيك توك كان هنالك يوتيوب الذي تميز بصناع المحتوى فيه لكن لوهلة ستجد أنهم فئة ضيقة مقارنة في تيك توك الذي ستجد فيه أن نصف الكوكب إن لم يكن أكثر تحولوا لصناع محتوى.

محتوى من كل حدب وصوب… ماذا تريد؟ طبخ؟ ستجد ضالتك هناك، أزياء؟ ستجد الآلاف ممن يشرحون لك… أتاك مولود جديد؟ ستجد نصائح تربوية في تيك توك، تود إنقاص وزنك؟ هنالك الآلاف وربما أكثر ممن يقدمون محتوى فيه، تود تعلم صنعة؟ أيضاً ستجد ذلك، شيء عجيب وأن تتنقل بين المقاطع ستجد أن كل من في المعمورة تحول لـ “صانع محتوى” أطباء الأسنان، التجار، بائعوا الساعات، منسقو الأفراح، الفنانين، الممثلين، أصحاب محلات الحلو، المطاعم… لن أنتهِ لو بقيت أعد لك في هذه السطور حرفياً..

بالطبع لا أقول لك أن كل من هب ودب سيحكي لك كلاماً ستأخذه كمصدر موثوق فالهبد (أو الكذب) في تيك توك أيضاً له سوقه!، إن سجلت وبدأت بالتصفح ستكتشف ذلك وإن لم تفعل، فستكتشف ذلك أيضاً!

لو لم تكن قد سجلت في تيك توك مثلي سابقاً، فسأعود قليلاً للوراء إلى  2019، كان وقتها زميلي في العمل يتصفح تيك توك وقتها سألته ما هذا؟ أجد ما تشاهده عبارة عن رقص مراهقين، وفعلياً كانت هذه هي السمة العامة لوحش السوشيل ميديا الصيني اليوم، إذ أنه بدأ هكذا وكثيرون يصفونه بمشفى المجانين الافتراضي، إلى أن تحول اليوم لموسوعة تجد كل ما تبحث عنه بها.

سابقاً (قبل سنوات معدودة) وبحكم عملي في التسويق الرقمي كنت أرفض فكرة فتح حساب لنشاط تجاري من نوع محدد في تيك توك، إذ أنه كان عبارة عن مجتمع للمراهقين، ففي حال كنت تود استهدافهم نعم أؤكد لك أن هذا المكان المناسب لذلك، ثم مع تطور الوضع شيئاً فشيء، لم يعد تيك توك كذلك، فصرت تجد عليه من مختلف المشارب، الكبير والصغير يصنع محتوى ولا يفعل شيء سوى صناعة المحتوى (أسأل نفسي كيف يجدون الوقت لذلك!؟).

وإلى جانب صنعة المحتوى، ستجد طبقة مختلفة وغريبة وعجيبة في آنٍ معاً، إنهم البثيثة (أصحاب البث المباشر) وهؤلاء أيضاً حكاية مختلفة نجح بها تيك توك عن سواها، إذ لابد أنك شاهدت أحد التقارير الإعلامية التي تتحدث عن التكبيس والوردة والأسد (حقيقة ومع أني استخدم تيك توك إلا أنني أجهلها حتى اللحظة). إذ تحولت ميزة البث المباشر لتصبح أشبه بالتسول الرقمي، مما دفع حتى الممثلين في الدراما للخروج بالبث المباشر والطلب من الجمهور أن يكبس ويرسل ورود وأسد وغيرها! (شيء لم نشاهده سابقاً في عهد السوشيل ميديا أتى لنا به تيك توك!).

نعم كسر تيك توك هيمنة شركات السوشيل ميديا الأمريكية، فلسنوات طويلة ظلت شركات مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها من الشركات التي تُصنع في الولايات المتحدة تحتكر السوق العالمي، إلى من محاولات محلية ستجدها بين بلد وآخر لشبكات اجتماعية محلية لا تكاد تُذكر.

أتى تيك توك وكسر هذه الهيمنة، لم تعد بياناتك لدى الشركات الأمريكية فقط، إنما أيضاً لدى الشركة الصينية الكاسحة (ByteDance التي تمتلك تيك توك)، صارت الشركة تعرفك كمستخدم ماذا تحب وماذا تكره، أي نوع قلاية هوائية تبحث لشرائها وما هي الموضة والأزياء التي تخطط لتكسو بها نفسك، حتى يقال أن الشركة وخوازرميتها صارت تعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك، متى تكون حزين، إلى أي ساعة تسهر، وما المقاطع التي تفرحك وتسبب لك السعادة (بعضهم يتابع مقاطع صناعة الأشياء والمصانع حتى آخر ثانية وهذه لوحدها تحولت لحرفة ومحتوى)، ثم بعد ذلك أصبحت ByteDance تستهدفك بالإعلانات تماماً كما تفعل الشركات الأمريكية، فهذه الأخيرة تمتلك عنك معلومات أكثر مما يمتلك المحيطون بك، وهذا بحد ذاته دفع تلك الشركات الأمريكية نحو التقليد (الأعمى هذه المرة).

لو كنت تستخدم فيسبوك ولو قليلاً ستعرف أن هويته أصبحت ضائعة (هذه تدوينة سابقة عن ذلك) إذ أنه هو الآخر قام بنسخ تيك توك بالكامل ووضعه ضمن بيئة تطبيقاته باسم Reels أو ريلز، ليس في تطبيق فيسبوك وحده بل حتى في إنستغرام، محاولة للتقليد بائسة بالفعل مقارنة بتيكتوك… إن شاهد ذلك ستجد أن تيك توك بالفعل يتميز عنهم. ثم لم يقف الأمر عن فيسبوك النساخ وحده، يوتيوب قام بطرح Shorts وهي محاولة خجولة لم يطورها يوتيوب حتى اليوم لتقليد تيك توك، ستجدها مقاطع مكررة من مقاطع الفيديو الطويلة ولا تشبه تيك توك بالفعل (حدود مقاطع الـ  Shorts دقيقة للمقطع الواحد – حتى كتابة هذه التدوينة).

تويتر أو X هو الآخر أيضاً ما إن تفتح فيديو ضمن التطبيق ستجده أنه تحول لنسخة مقلدة ردئية من تيك توك يميزها عنها أنه رديء لدرجة أكبر كمحاولة من إيلون ماسك هو الآخر لأن يخلق لك تطبيق تبقى بداخله (لكن أشك إن كنت ستبقى مستمعاً بما فيه كونه منصة للهوشات والجدل العقيم لا أكثر).

لست بصدد طرح سؤال فلسفي وإنما ربما يجب أن يكون السؤال هنا ماذا نريد نحن من تيك توك؟، فالتطبيق كل ما يعطيك إياه هو إضاعة للوقت وجرعة دوبامين سعيدة أحياناً تنسيك اللحظة بشيء أشبه بالإدمان (وإدمان التيك توك هنا يكاد يكون مشابه لإدمان المخدرات، فعلياً هو نوع جديد من المخدرات!). ويأخذ منك بالمقابل وقتك، وانتباهك وتركيزك والكثير الكثير من بياناتك.

شارك هذه التدوينة

رأي واحد حول “تيك توك”

  1. أختلف في نقطة أن تيك توك كسر هيمنة يوتيوب، برأيي يوتيوب سيبقى يغرد وحده ربما لعقد آخر، فالمحتوى الأفقي لا يزال يستهدف فئة واسعة من مجتمع الإنترنت وحتى المراهقين، عدا عن أن يوتيوب أصبح مصدراً أساسياً للمعرفة لدى كثيرين بما يحتويه من قاعدة بيانات هائلة في العلوم والتسلية والميديا وصلح بنفسك وغير ذلك الكثير. تيك توك لا يصلح سوى للتسلية السريعة والهبد. يمكن القول أن الاثنين كل منهما يدور في فضاء وحده ولا أعتقد أن هناك منافسة بينهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *