حان الوقت لأن تسأل نفسك هذا السؤال: ماذا قدم لك عملك؟

لو عاد بي الوقت 5 سنين إلى الوراء لما كنت قد فكرت حتى في هذا السؤال، لكن نتيجة لتراكم الخبرة والممارسة والتنقل بين أكثر من عمل والقراءة في مجال الوظائف والتطوير الوظيفي والإدارة أعتقد أنني وصلت لهذا السؤال وهنا أسألك إياه من لسان الناصح.. ماذا قدم لك عملك (الوظيفي أو الشخصي)؟

لربما أبحرت يوماً ما في أحد المواقع أو المقالات أو التدوينات التي تتخصص بالأداء الوظيفي وغيرها من قبيل هارفارد بزنس ريفيو لتجد مقالات كثيرة تلامس وجعك الداخلي، وتجعلك تقول هذا أنا عندما تقرأها.. وكأن المقالة كُتِبت لك خصيصاً، ولكن دعني أقل لك أن ما تعانيه في وظيفتك الروتينية يعانيه غيرك الكثير، وفي الغالب ستجد مشاكل العمل الوظيفي متشابهة إن أسر لك أحد الأصدقاء من عمل آخر ما يلاقيه ويعانيه في عمله.

أذكر جيداً تلك العبارة التي قرأتها على فيسبوك ونشرها أحد الأصدقاء عن الأمان الوظيفي والوظيفة الآمنة، وللأسف الشديد معظمنا نتيجة الالتزامات التي تتراكم يجد نفسه أسير العمل ومضطراً للتحمل والمعاناة والكبت حتى يصل لدرجة يسوء بها حال المرء نفسياً وهذا ما أؤمن بوجوده لدى الكثيرين لاسيما من سيقرأ هذه المقالة.

في البداية لأشرح ما ذكرت دعني أشرح لك الفرق ما بين الوظيفة الآمنة والأمان الوظيفي:

يقال عن الوظيفة الآمنة أنها وهم، فمعظم من يتنقل ما بين عمل وآخر يبحث عن وظيفة آمنة مستقرة (إلى حدٍ ما) يمضي وقته فيها يؤدي عمله، ثم يستلم مرتبه، قد تجد هذه الوظيفة على حساب كثير من الأمور مثل تطورك الوظيفي (كالترقية أو الزيادة في المرتب الشهري) والتي لربما لن تحصل عليها، وقد تأتي أيضاً على حساب تطورك في مستوى المهارات لتجد نفسك بعد سنة أو أكثر شخص دون خبرة.. لم يقدم لك العمل أي خبرة تذكر، وتجد نفسك شخص يعيش في روتين قاتل، ويعيد شريط حياته كل يوم بالتفاصيل نفسها، اللهم مع اختلافات بسيطة لا تؤدي لأي تجديد.

أما الأمان الوظيفي فهو ينطبق على الخبرات التي يكتسبها الشخص ويحملها ويمارسها، والتي ستفيده يوماً ما في عمله وانتقاله من عمل لآخر، وترقيته حتى، أو من الممكن أن تفيده ليبدأ عمله الشخصي بالخبرات التي اكتسبها وتعلمها، يمكن أن تكون هذه الخبرات والمهارات بمثابة الضمان الذي يحمله الشخص معه من وظيفة لأخرى، وبالتالي تعد هذه الفئة من الأشخاص قادرة على تأمين عملها بشكل أو بآخر بالمهارات التي تمتلكها.

لأعطيك مثال عايشه أحد أصدقائي، لي صديق كان يعمل في عمل وظيفي مقيت للغاية لمدة أربع سنوات، وجد نفسه في النهاية خاسر لكثير من الأمور، فالعمل كان يعطيه مرتباً شهرياً يعيش به، لكن على صعيد المهارات وجد صديقي نفسه يخسر من مهاراته مع كل يوم يزداد في هذا العمل، حتى أنه في أحد مقابلات العمل قال له موظف الموارد البشرية (الذي يعرف بعمل صديقي جيداً) أن خبرة الأربع سنوات لا تساوي له شيء.

ما الحل إذاً؟

باختصار شديد.. ابن مهارات تساندك وتضمن لك تطورك..

لا أعتبر تجربتي الشخصية وصفة ينطبق للجميع، اللهم إني أذكرها بين هذه السطور للفائدة لا أكثر.. إذ أني للأسف الشديد خلقت لنفسي تشتت مابين عدة مهارات مثل التصميم، التسويق (وتشعاباته) تحرير الفيديو والتصوير، وهذا التشتت مع الأسف الشديد أيضاً جعلني لا أعرف ما أنا؟ أو ما هو مساري الوظيفي الذي يجب أن اختص به فأنا أجد جزء من نفسي في كل مهارة من هذه المهارات، وغالباً ما كنت أندم لاسيما عندما أستمع لنصيحة أحد الأصدقاء الذي يذكرني بأن هذا التشتت يأتي سلباً على مستقبلي المهني إن لم أجد التخصص المناسب.. لكن فعلياً الواقع كان عكس ذلك، إذ أن تنويعي ما بين هذه المهارات كان ضامن لي بأن أعمل وأتنقل ما بين أكثر من مكان عمل لاسيما في الأيام الصعبة (خصوصاً بعد تسريحي من العمل “بحجة كورونا”) وجدت في النهاية أن تنوع المهارات كان عاملاً مفيداً لي. وحتى شخصياً وقبل بضعة أيام كنت أستمع لبودكاست هارفارد بزنس ريفيو (مرصد الأفكار) لحلقة بعنوان انتهى عصر الوصف الوظيفي، والتي دعمت تجربتي بأن الشركات/ أو / أماكن العمل اليوم تفضل الشخص الذي يلم بأكثر من مهارة بدلاً من الشخص الذي يتمسك بالوصف الوظيفي الجامد والذي سيعمل غالباً على مهمة واحدة لا أكثر.

ماذا قدم لك عملك؟ أعتقد الإجابة لديك.. وشخصياً سأقول لك عملي الروتيني قدم لي المرتب الذي ساعدني لأن أعيش، نعم في أكثر من مكان كنت أواجه صعوبات جزء كبير منها إدارية وتتعلق بمكان العمل والنهج الذي يسير عليه، لكن غالباً ما كنت التمس خبرات شخصية أصنعها لنفسي، أقرأ وأتعلم شيء يدعم خبرتي الشخصية ومعرفتي، أوسع هذه المعرفة أكثر وأكثر.. أحياناً ما أغرق في التفاصيل بالرغم من أنني أكرهها، إلى أن سؤالاً واحداً يخطر على بالي يحفزني للبحث والإبحار بين صفحات جوجل ومواقع الويب، خصوصاً إن كنت أبحث عن شيء ما يحل مشكلة لدي مثلاً “في تحرير فيديو” أو كيفية عمل تيكنيك لتعديل صورة أو تصميم”.. هذا البحث عن الإجابات وزيادة المعرفة بشكل أو بآخر كانت تزيدني خبرة في المجالات التي أركز على تعلمي لها، وبالتالي ساهمت لخلق عامل الأمان الوظيفي لدي من دون أن أعرف ماهيته أساساً.

نُشرت على آراجييك

شارك هذه التدوينة

3 رأي حول “حان الوقت لأن تسأل نفسك هذا السؤال: ماذا قدم لك عملك؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *