قبل نحو 8 سنين عملت كمحرر صحفي مختص بالصحافة التقنية، أعتقد جازماً أن في تلك الفترة كانت الشبكات الاجتماعية شيئاً ثانوياً للغاية، فالمصادر التي كنا نعتمد عليها كانت قائمة على البحث ومطالعة المواقع التي تنشر الأخبار التقنية إلى جانب متابعة المدونات الرسمية لشركات التقنية (وما أكثرها)، وكان لـ Google reader فضل عظيم وقتها كونه كان يسهل متابعة ما شئت من المواقع معتمداً على خلاصة RSS.. لكن وا أسفاه مات Reader، وتنامى دور الشبكات الاجتماعية منذ تلك الفترة سنة بعد سنة.
بشكل أساسي كان للمدونات والمواقع الإخبارية رونقها حتى وإن لم تكن تلتزم بالقواعد الصحفية وما يرافقها إلا أن لها لذة خاصة في ذلك الوقت عندما تتصفحها، أن تقوم بجولة طويلة على المدونات أو على المواقع الإخبارية وتستقي ما تريد تحريره، ثم تقوم بتحريره معتمداً عما ينشر حول الموضوع.
مع مرور السنين تطورت الشبكات الاجتماعية بشكل لافت للغاية، التوجه الكبير نحو موضوع الفيديو، التهافت الكبير نحو صناعة المحتوى، المزايا التي لا حصر لها التي باتت هذه الشبكات تطرحها وإن كان أغلبها نسخ / لقص من بعضها البعض، كل هذا بات يأسر المستخدمين داخل حدود هذه الشبكات ويمنعهم من محاولة الإبحار خارجها، لا وبل يجعل منها (الطريقة الوحيدة) لمعرفة ما يحصل في هذا العالم.. لاسيما مع كل موضوع تريند أو موضوع شائع يجري نقاشه (وتويتر خير دليل في ذلك).
للأسف كل موجة جديدة تؤثر بشكل كبير على الموجة التي تليها، فكتابتنا لأفكار مختصرة على حساباتنا بمواقع التواصل الاجتماعي جعلتنا كمدونين نتكاسل عن كتابة تدوينة ما تجمع هذه الأفكار، وربما جعلتنا ننظر للتدوين على أنه محاولة عبثية لطرح الأفكار أمام المشاهدات أو الزيارات القليلة للمدونات والإقامة الدائمة لجمهور الإنترنت على الشبكات الاجتماعية، ما يعزي في ذلك هو عدد قليل من القراء الأوفياء، ورضا ناتج عن التعبير عن الأفكار من خلال التدوين والنشر.
وربما الشيء نفسه بات عاملاً مؤثراً على الصحافة الرقمية التي غيرت الكثير من مفاهيمها وأسلوب عملها حتى تتلاءم مع صيحة الشبكات الاجتماعية، إذ لا يكاد أن يكون اليوم صحيفة إلكترونية أو موقع إخباري أو حتى قناة تلفزيونية لا يمتلك صفحة رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، ويولي أهمية كبيرة بالمحتوى عليها (أحياناً على حساب المحتوى المنشور في الموقع، وأقول هذا الكلام عن تجربة)، وكل الغرض من هذا (بناء مجتمع وفٍ ومتابع).
أثرت الشبكات الإلكترونية بشكل سلبي إلى حدٍ ما على قطاع صحافة الإنترنت، فجعلت من الخبر لا يعدو عن كونه محاولة لجمع نقرات وزيارات، وأخبار في معظمها كاذبة (أو تكاد بنسبة 75% أن تكون كاذبة) لتجلب الزيارات ولا شيء آخر سوى الزيارات، لا قيمة معرفية ولا خبر مصاغ بشكل صحيح يحمل تحليلاً نحو قضية أو وجهة نظر، يظهر ذلك من اعتماد المحرر على هذا النهج.. كتابة خبر أشبه ما يكون بوجبات الفاست فود، ولا يقف الأمر عند حد الخبر النصي، إذ أن قنوات أو مؤسسات إعلامية باتت تغير من قالبها ليتناسب أكثر مع جمهور الشبكات الاجتماعية، وتدخل نوعاً من الكوميديا على مضمون موادها الإعلامية حتى وإن كانت تستوجب الجدية، في صورة تجعلك تتسائل هل هذه صحافة جادة؟.. ثم إن فكرت بعقلية المسوِق تجد في ذلك أنه إن لم تتبع هذا النهج.. تموت وتتلاشى، وهذا ما تجده كتوجه حاصل والذي (ربما يقتل) الصحافة التقليدية الرصينة شيءً فشي.
هل تقتل الشبكات الاجتماعية الصحافة التقليدية؟
لا أظن ذلك بشكل مباشر.. حتى لا ننظر للموضوع من وجهة نظر سلبية يمكن أن نقول أن الإعلام الجديد ساهم بتغييرات كثيرة من حرفة صناعة الصحافة، مع هذه التغييرات لا بد من القول أن هذه الحرفة لن تبقى جامدة ومصيرها التطور كبقية مجالات الحياة، كما أن تحديات عديدة تقف أمامها أبرزها هو (تحول أي شخص لصحفي أو “إعلامي”) دون أي خبرة، ما جعل الكثير من المواد الإعلامية تفتقر للصياغة الصحيحة وللموثوقية والدقة، زاد من الأمر سوءً تنامي جمهور/ قاعدة المتابعين لوسائل الإعلام الرديئة مما يجعل فرصة كبيرة بوصول المواد الصفراء والكاذبة كبيراً جداً.
من الأمور التي دفعت لصالح لصالح الصحافة الرقمية هو أن الشبكات الاجتماعية توفر وسيلة شبه مجانية للتسويق للمادة الإعلامية وللصحيفة على حد السواء، مع أن هذه الشبكات تطرح إمكانية ترويج هذه المواد بشكل مدفوع، إلا أنها بشكل أو بآخر تساهم بانتشار مواد الصحيفة لجمهورها، لكن إذا ما نظرنا على طريقة خوارزميات سنجد أن فرص وصول الصحافة الصفراء التي تحظى بتفاعل عالي أكبر بكثير من تلك المواد التي على تحليل ما للأحداث وعرض أفكار ذات قيمة ومعنى.