قبل فترة بسيطة حظيت بمشاهدة فيلم التجرد أو نظام البساطة الحديث Minimalism، الفيلم الذي أرسله لي صديقي فادي @Homs_dream وتكاسلت مراراً عن مشاهدته وبقي على لائحة الإنتظار في يوتيوب ينتظر المشاهدة.
تدخل للمجمعات التجارية، ألوان تملأ عينيك يميناً ويساراً، شعارات براقة، تخفيضات، أسعار منافسة، وبعضها غالٍ جداً، أدوات استهلاكية ربما ستراها لأول مرة، وربما ستشعر بنفسك أنك قادم من زمن آخر، في ذاك المحل الذي يبيع الأدوات المنزلية هنالك وعاء شفاف غريب، تشاهده وتفكر به ثم تقرأ عنه لتكتشف أنه خاص (بتنشيف الخضار والفواكه) فقط بآلية تحريك يدوية تجعل قلب الوعاء البلاسيتيكي يدور، إلى اليمين منه لوح خشب عليه شيء أشبه بقطاعة الورق بها سلك معدني رفيع للغاية صُمم لتقطيع الجبن! وليس ببعيد عنه حائط تملؤه السكاكين وخلف كل سكين صورة تشرح لم هو غريب الشكل وماذا يتميز عن الذي بجانبه، سكين لتقطيع الجبن فقط، وآخر لتقطيع الخبز!، وآخر لتقطيع الخضار.. أشكال عديدة من المنتجات تجعلك تسأل نفسك هل كل هذا يلزمني، أي حاجة تدفع لاقتناء كل هذا؟!.
المشكلة الأكبر أن الناس تجدها في هذه الفوضى الاستهلاكية أشبه بأن تكون فئران تجارب تقوم الشركات بتجربة المنتجات عليها، فإن بيع هذا المنتج فعلى الشركة أن تبحث عن تطويره، أو طرح منتج آخر شبيه به لكن مع ميزة إضافية لست بحاجتها من الأساس، لون جديد، مقبض جديد وما إلى ذلك، كل هذا وذاك هدفه شيء وحيد.. الربح والاستحواذ على أموالك.. دون فارق عظيم!.
شاهد الناس مثلاً يوم العطلة في المجمعات التجارية ومحلات الـ Super market كيف تعيش بنهم لشراء منتجات لا فائدة كبيرة منها، تلك السلعة تشتريها تحصل على واحدة مجاناً، وأخرى عليها عرض وخصم، وثلاثة يأتي معها منتج آخر مجاني، مشهد الناس يوحي كما لو أنها عُميت وبدأت تشتري دون أدنى تفكير!، مشهد يتمثل معك فعلياً في عروض ما يسمى بالجمعة السوداء، اليوم الذي يشهد تخفيضات بالأسعار وتهافت بالشراء، ذات اليوم انتقل بنسخة أخرى للعالم العربي باسم الجمعة البيضاء، يتسابق به الناس للشراء واستغلال العروض سواءً في المحال التجارية أو من خلال الشراء عبر الإنترنت.
لا تعني فلسفة التجرد والتبسيط أو الـ Minimalism بالمعنى الحرفي أن تتخلى عن كل احتياجاتك بالطبع، خصوصاً تلك الأدوات التي تلزم حياتك، وإنما تعني أن تبسط حياتك وفهمك للأشياء وللإحتياجات، فبعض الأفراد يميلون مثلاً سنوياً لتبديل الأريكة في المنزل فقط لأن سنة مضت على اقتنائها، أو التخلي عنها فقط لأن شق ما حدث بها دون إصلاحها، هنا يتمثل التجرد أعتقد باختيارك (إلغاء تلك الرغبة للشراء دون سبب)، التي شكلتها حملات التسويق والألوان والعلامات التجارية في نفسك، ثم إلغائك لمبدأ أريد شيء دون سبب.. الذي لم تعد تدركه في حياتك بسبب تأثير حملات الترويج الكبيرة عليك.
شخصياً اكتشفت أنني كنت أتبنى هذه الفلسفة في نفسي دون أن أعلم بها /علمت بها فعلياً وبمفهومها بعد الفيلم وبعد البحث فيها أكثير/، ولتلخيص ذلك يمكن تطبيقها في حياتك الشخصية من خلال عدة أمور منها الاعتماد على الأشياء التي تحتاجها فقط والتخلص من الأشياء التي لا تلزمك أو لا تستخدمها منذ فترة وهذه أولى خطوات التجرد، حيث تشكل هذه الأشياء حيز في المساحة التي تعيش بها، وفي تفكيرك إلى أن تنسى وجودها “نوعاً ما”.
يصاحب هذه الأمر هو التقليل من الاستهلاك والإعراض عن الشراء دون حاجة، وتجاهل حملات الإعلانات والتسويق الذي تشاهده سواءً على الإنترنت أو في المحال التجارية، إذ تثبت الدراسات أن النشوة التي يحققها شراء شيء جديد “والسعادة المصطنعة من خلاله” تتبدد مع مرور الوقت بمقابل ذلك تحقق التجارب التي من الممكن أن تخوضها كالسفر أو تجربة طعام أو مشروب جديد بصحبة صديق متعة تدوم لوقت طويل.
هل يعني هذا التخلي عن كل شيء؟.. بالطبع لا، فالأدوات التي تستخدمه مثلاً بشكل متتالي أو بفترات قريبة ولها حاجة لايمكنك التخلي عنها ببساطة، فأنا شخصياً من الصعب أن أتخلى عن الأدوات التي تحسن من عملي كالحاسوب، أو حاسوب بمواصفات أعلى، الكاميرا وملحقاتها وعدساتها وما يتعلق بها..، إنما عليك الأخذ بفكرة أن يكون لهذا المنتج الذي ستستخدمه بشكل طويل جودة عالية، والجودة العالية هي ما تعرفها ماريا كوندو مؤلفة كتاب سحر الترتيب:
الجودة العالية في منتج ما هي ما يغنيك عن شراء منتج آخر لمدة طويلة.
مبدأ الـ Minimalism أيضاً يمكن أن ينطبق على موضوع البيوت وحاجتنا للمساحة كما في الفيلم السابق، إضافةً لذلك من الممكن أن ينطبق مثلاً على حاجتنا التقنية كالتطبيقات التي نستخدمها في الهاتف، ومدى حاجتنا للإشعارات [راجع تدوينة الإشعارات.. وأسرى الشاشات الصغيرة].
بعض من الروابط التي تساعدك على فهم أعمق حول فلسفة التجرد والتبسيط:
ـ minimalism حركة التقليل / يوتيوب.
ـ كيف تكون مبسّط Minimalist؟ (فلسفة البساطة).
ـ هنا قناة ماتي ديفالا اكتشفتها بالصدفة، وهو مصور ومخرج الفيلم السابق (الزهد ونظام البساطة الحديث).
الرابط الأول ليس موقعًا رسميًا للحركة، لكن الشابان رائعان فعلًا، أتابع البودكاست الخاصة بهما.
مفهوم وفلسفة مهمة.. شكراا جدا على طرح الموضوع بشكل بسيط كما أني شاهدت الفليم وانصح الجميع كذللك مهمم جدااا