أذكر قبل سنتين، سألني موظف الموارد البشرية عندما كنت أجري مقابلة عمل معه من أجل وظيفة في أحد المؤسسات الإعلامية، سألني وقتها عن مدى إطلاعي على الأخبار ومتابعتي لها، وقتها لم ألجأ فعلياً للتحايل على السؤال لأن من طبيعتي أن أصارح في مقابلات العمل.. وليكن ما يكن.
كان الجواب وقتها: لا أتابع الأخبار كما تطلبون.
يعود الأمر فعلياً لقبل 9 سنوات، بعد الانتهاء من مرحلة الثانوية العامة والرغبة التي تكونت عندي في دراسة قطاع الإعلام وتفاصيله وحيثياته، إلا أنني لم أوفق في ذلك، لذا قررت أن أتبناها كهواية وبحث لا دراسة أكاديمية، شيءً فشيء مع مرور الزمن، زادت المتابعة للأخبار ومتابعة القنوات خصوصاً بعد الربيع العربي، لأعرف ما يحدث من حولنا… لكن بعد ذلك توقفت شخصياً عن متابعة الأخبار.
مع أن جزء كبير كان من عملي تحريري في أحد المواقع الإلكترونية إلا أنني أصبت بإحباط كبير، الضغوط النفسية، والأخبار التي تتعارض مع رغباتي، الأخبار الغير مهمة، كانت دافعاً للتوقف وأن أسأل نفسي… هل فعلياً علي أن أكترث بما يدور في هذا العالم من حولي؟ لا سيما كوني في المغترب؟.. فعلياً لا.
الخروج من منظومة الأخبار هذه يتطلب منك أن تنعزل في حيز ضيق خاص بك، وأن تنأى بنفسك عن متابعة (ما لا يهمك)، شخصياً استسلمت للخوارزميات وماتعرضه لي، فباتت أغلب الأخبار التي أتابعها وتظهر لي من خلال فيسبوك هي ما يتعلق بالتقنية، الترفيه، التسويق، ومجال التصوير، أما البقية، فقد قمت بإلغاء متابعته، وأحياناً أتنبه لإلغاء متابعته.
نحن محاطون بالكثير من المعلومات التي تهمنا بشكل مباشر لدرجة أننا نشعر بالضيق من الضغط الذي لا ينتهي لمحاولة مواكبة كل شيء.”
نيكولاس كار – كاتب أمريكي في التقنية والأعمال والثقافة
لا شك، أن صناعة الإعلام اليوم والتسارع التقني الذي تشهده باتت مهمة، تبدو هذه الأهمية لو قارنتها مثلاً قبل عشر سنوات عندما كان تويتر بسيطاً ولا يحتوي فيديو ولديك 200 شخص تتابعهم، لا وبل وتقرأ تغريداتهم، الأمر ذاته ينطبق على فيسبوك وعدد من المواقع الإخبارية، لكن اليوم أغلبنا بات لديه نحو 1000 شخص يتابعه، وعدد من الصفحات والأصدقاء الذين يتزايدون على فيسبوك وتويتر بشكل سريع… وأغلبهم اتخذ من نفسه وسيلة إعلام ليكرر الأخبار التي تراها في الصفحات… يخرج السؤال هنا، هل تحتاج لأن تضيع وقتك على كل هذا؟!
فعلياً لا، وإن كنت لا تولي أي أهمية لوقتك، اليوم الأخبار، وشبكات التواصل الاجتماعي صُممت لنبقى أسرى لها، تشاهد الفيديو الفلاني حتى يظهر فيديو مقترح قبل أن تنتهي من الفيديو الذي تشاهده أصلاً!، تقرأ خبر ما في موقع لتصل لخاتمته فتجد أن أسلوب الموقع يعرض لك خبراً كاملاً أسفله لتستمر بالقراءة والنزول والقراءة… هل نحن أسرى فعلاً لذلك؟
ما الذي قمت بعمله شخصياً؟
علي أن أعترف، أن الاستسلام لخوارزمية فيسبوك وتويتر مثلاً ليس بالأمر الجيد أيضاً، فهي كما ذكرت صُممت لنبقى نغوص للأسفل في التايم لاين إلى ما لا نهاية، وللأسف بحكم أن عملي (تسويقياً مرتبط بها) فليس لدي خيار أو رفاهية حذفها خصوصاً لارتباط حسابي بمدير الإعلانات، لذلك ماقمت به سأشاركه هنا، لربما هنالك من يتبنون هذا المذهب (إن صحت التسمية)، ويشاركوني تجربتهم في التعليقات:
1- إيقاف الإشعارات لأغلب التطبيقات: فعلياً ما أفعله لكل تطبيق يطلب عرض الإشعارات هو أني أرفض ذلك، تخيل أن هاتفك فيه 20 تطبيق تصدر الإشعارات كلها دفعة واحدة! كم من الوقت ستقضيه مطأطئاً رأسك لتتصفحها؟، الشيء الجميل هو أني لا أمتلك أي تطبيقات أخبار على الهاتف، باستثناء Google News و Apple News الذي يأتي سلفاً مع نظام iOS.
2- حذف تطبيقات وسائل التواصل الإجتماعي والاكتفاء بمراجعتها من خلال المتصفح: فعلياً هذا الأمر أعطى لبطارية الهاتف عمراً إضافياً، وهو أشبه بالديتوكس التقني للهاتف ليتخلص من حملها الثقيل، صرت أكتفي مع هذا بمراجعة وسائل التواصل الاجتماعي لمرات قليلة، تصبح كثيرة مع حدوث أحداث كبيرة تستحق المتابعة.
3- التوجه أكثر نحو الترفيه: الوثائقيات، المسلسلات، المقالات ذات القيمة… كلها تعد أفضل من خبر لا يقدم ولا يؤخر بحياتك شيء، ولا يساعدك باتخاذ قرارات أفضل، كما أنه لن يساعدك على فهم العالم، الشيء الوحيد الذي من الممكن أن يشكله هذا الخبر أو ذاك هو أن يعدل حالتك المزاجية نحو الأسوء (وفي حالات قليلة نحو مزاج جيد).
4- متابعة المدونات: صحيح أن نسبة كبيرة من المدونات ماتت إثر الهجرة الجماعية نحو الشبكات الاجتماعية، إلا أن نسبية لا بأس بها ما زالت مستمرة، ألجأ لمتابعتها عبر تطبيق Feedly وأحياناً عند العثور على مدونة جديدة أقوم بإضافة بعض مقالاتها لتطبيق Pocket حتى أقرأها عندما لا يتوفر إنترنت (في حالات الميترو مثلاً)، هنا ليس بالضرورة الاكتفاء بالمدونات المكتوب، يمكن الاعتماد أحياناً على بعض الـ Vloggers الذين يقدمون محتوى نوعي يستحق المتابعة.
5- الخروج من منظومة التلفاز! حرفياً لي نحو 5 سنين لا أتابع التلفاز، آخر مرة جلست أمام شاشة تلفاز كانت في 2014 وكان التلفاز في العمل أيامها، لا أكترث كثيراً بما تقوله المقالات البحثية عن تطور التلفاز أو التنبؤ بمستقبله، لأنه فعلياً أصبح واقع، فالترفيه الذي تريده اليوم كله متوفر على الإنترنت سواءً Netflix أو Youtube أو أي محتوى تود مشاهدته… نقرات قليلة وتصل إليه.
هل تمر بالحالة ذاتها؟