واحدة من الأمور الغريبة التي تنتهجها الموارد البشرية في بعض الشركات والمؤسسات هي دمج الكثير من التخصصات في توصيف وظيفي واحد، يجعل هذا الشخص أشبه بسوبرمان أو بمكينة المولينكس التي يضرب بها المثل عادةً لكثرة استخداماتها.
إذ يضع قسم الموارد البشرية طلبات لاحتراف المتقدم للعمل على برامج كثيرة يجعل عملية اختيار الشخص المناسب أكثر صعوبة، فمثلاً تطلب أحد الشركات مصمم يعمل على برامج عديدة منها فوتوشوب، اليستريتور، إن ديزاين، أفترافكت، بريميير، وغيرها من البرامج التي تجعل من الدائرة التي تحيط باختصاص المصمم تتوسع لتشمل برامج أبعد وأبعد.. بقي أن يصبح المصمم طاحونة للبن!.
وللأسف يأتي هذا إما لسببين:
- الأول من المحتمل أن يجهل قسم الموارد البشرية بطبيعة الاختصاص ومدى صعوبة أن تجمع شخص يعمل بمجال الغرافيك مثلاً مع مهارة العمل على فيديوهات الإنيميشن على After effect.
- الثاني من المحتمل أن تكون الشركة من نوع (هات ايدك والحقني)، ولضغط المصاريف وعدم إعطاء كل مهنة حقها، تلجأ الشركة لأن تأتي بالشخص الذي سيعمل كما يقول المثل (زبدية صيني) فيؤدي عدة وظائف بمنصب وظيفي واحد يجعل عليه حتى من الصعب أن يؤدي عمله، أو يبرع فيه ويتطور!.
لأبسط العملية دعونا نقارنها مثلاً بمهنة الطب:
طبيب الأسنان هو تخصص من بين الكثير من التخصصات في الطب، من المحتمل أن يصلح لأن يعمل كطبيب بشري أو حتى جراح في حالات حرجة جداً كالحصار والحروب وغيرها، لكن فعلياً طبيب الأسنان تخصصه طب أسنان، قد يأخذ توجيهاته من طبيب آخر إنما يبقى مجال إختصاصه الذي يبرع فيه هو طب الأسنان، حتى أن طب الأسنان نفسه تفرع لاختصاصات كالجسور والتقويم…
وفعلياً التصميم والمهن الإبداعية كذلك، فالتصميم عالم واسع للغاية، وتوسع في السنوات الماضية، هنالك تخصصات كثيرة، كتصميم المنتجات، تصميم الغرافيك الذي يضم تخصصات فرعية منه كالتصميم الطباعي، تصميم الهويات البصرية، تصميم الأيقونات، تصميم التطبيقات (UI Design) وغيرها الكثير.
الأمر ذاته ينطبق على التصوير مثلاً، فتخصصات التصوير تجدها كثيرة، وبعضها يحتاج لتعمق وقراءة لفهم أكثر حول المجال، هنالك مثلاً من يفضل تصوير الطبيعة، فتجده متعمق أكثر بهندسة الألوان، وأي العدسات يجب أن يستخدم مقارنةً مع مصور الأشخاص أو الـ Portrait الذي يلم أكثر في إضاءة الاستديوهات والمعادلات التي تجمع مابين إعدادات الكاميرا وضبط الفلاش وغيرها الكثير.
وكمثال ثالث، ثورة جديدة في انتاج الفيديو هي التعديل اللوني، إلى حدٍ ما كان الإنتاج التلفزيوني والسينمائي جامد ويعتمد على تعديلات طفيفة، إنما في السنوات الماضية زادت أهمية التعديل اللوني على هذا الإنتاج، فباتت مرحلة لها أهميتها وثقلها، تعتمد على فني التعديل اللوني والذي يسمى في الغالب (Color grading master) والذي يقع على عاتقه أن يتفق مع المخرج حسب طبيعة كل لقطة والرسالة التي يوصلها من خلالها، وأن يعطي للمنتج طابعه الخاص الذي يميزه عن المنتجات السينمائية الأخرى.
بالتأكيد ليس المقصود من كل هذه التدوينة أن تخصص ميزانيات كبيرة لجلب كل حرفة بشكل مستقل مما يجعل المسألة معقدة نوعاً، إنما المقصود أن لكل حرفة مدى فهمها العميق، فكل شخص من يبرع في مجال وقد يقرأ ويدرس ويطبق كثيراً في هذا المجال حتى يعطي العمل حقه في ذلك.
هل تتفق معي في ذلك؟… علق في الأسفل، وشارك التدوينة مع أصدقائك 🙂